بسام عبدالسميع (أبوظبي)

يشهد العام المقبل بدء تطبيق الاستراتيجية العربية للاقتصاد الرقمي بصورة جماعية، وسيتم تنفيذها عبر التنسيق المشترك لتحقيق التوافق بين الدول العربية في هذا المضمار، بحسب الدكتور المهندس علي الخوري، مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي.
وقال الخوري في حوار مع «الاتحاد»: «إن أكثر من ثلثي الدول العربية تمتلك بالفعل خططاً ورؤىً استراتيجية للتحول الرقمي، وخطت فيها خطوات متتالية، وإن اختلفت مستويات وعمق التطبيقات من دولة لأخرى، وأن ما سيجري هو التنسيق بين البلدان العربية التي حققت تطوراً كبيراً في هذا التوجه والدول الراغبة في الدخول إلى الاقتصاد الرقمي، إضافة إلى عدد من المبادرات التي تعزز التحول وفق احتياجات كل دولة».
وأوضح أن الاستراتيجية تستهدف عمل الاقتصاد العربي كشبكة متصلة أو سوق موحد تتصل مناطقه وأركانه بشكل متناغم، وللاستفادة من الطاقة البشرية والقدرات العربية الكبيرة، والتي لا تتوافر على مستوى الدولة الواحدة، وتتسق مع طبيعة البرامج الاستراتيجية مع هذا المفهوم.

خطط خاصة
وأفاد الخوري، أن كل دولة عربية قامت بوضع خططها الخاصة بها، وتمضي في تطبيقها بشكل مستقل، وهذه الخطط تستحوذ على الحجم الأكبر من التكلفة وغالباً، ما يتم تمويلها بطرق استثمارية، وبأغلب الأحوال بالتعاون مع القطاع الخاص، وهو الذي يقوم بتمويلها في أغلب الأحوال، مثل مشروعات خطوط الاتصالات، سواء السلكية أو اللاسلكية، والتي أصبحت اليوم مشروعات ينفذها القطاع الخاص، ويتنافس عليها، نظراً لعائدها المادي الكبير.
وتابع: «يظل هناك مجموعة من البرامج ذات الطبيعية السيادية، والتي يجب على الدول نفسها أن تنفذها، مثل الهوية الرقمية، وتطوير الخدمات الحكومية، وهذا التمييز بين أنواع البرامج ومصادر تمويلها مهم، نظراً لتنوع مصادر التمويل بشكل عام»، وأوضح الخوري، أن المشروعات التي يتوجب على الدول العربية تنفيذها بشكل سيادي، تصل تكلفتها سنوياً ما يقرب ما بين الـ15 مليارا و20 مليار دولار سنوياً.
يشار إلى أن أبوظبي استضافت مطلع العام الجاري، المؤتمر الأول للاقتصاد الرقمي العربي، برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وشهد المؤتمر إطلاق الاستراتيجية، واستعراض الرؤية العربية المشتركة للقطاع، وإطلاق مبادرات وآليات تحويل المنطقة إلى اقتصاد رقمي فاعل يعزز جهود التنمية المستدامة والتنمية الاقتصادية.

برامج الاتحاد
وبخصوص برامج الرؤية الاستراتيجية التي يتبناها الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي حالياً، أوضح الخوري، أن هذه البرامج ستبلغ في عامها الأول قرابة 240 مليون دولار، مشيراً إلى أن برنامج العلاج عن بعد (Tele-medicine) تبلغ تكلفته بالعام الأول 40 مليون دولار بخمسة مواقع مختلفة من الدول العربية بالمواقع النائية، وهذا دور محدود وفي حالة التوسع في تطبيق مثل تلك المبادرة لتغطية كل المناطق النائية والأكثر حاجة، فإن مثل هذا البرنامج سيتطلب أكثر من 20 ضعفا لتلك القيمة.
ولفت إلى أن الاتحاد يستهدف من «برنامج العلاج عن بعد» تقديم نموذج تجريبي للتشجيع على استكماله، فيما بعد، من خلال الدول العربية أو الاتحاد لاحقاً، وبعد توفير الموازنات الكافية لتنفيذه.
وذكر أن مجلس الوحدة الاقتصادية يسعى حالياً لعقد مجموعة من الاتفاقيات مع الجهات المانحة، مثل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي، حيث يجري مشاورات لاستكمال متطلبات عقد مؤتمر المانحين للتحول للاقتصاد العربي الرقمي، بالتعاون مع الجامعة العربية والجهات العربية المعنية والجهات الدولية المرشحة للتمويل، مثل صناديق التمويل والاستثمار والشركات المتخصصة بأنواعها كافة، والتي يمكنها المشاركة من خلال نماذج الشراكة بين القطاع الخاص والحكومات (PPP).

مركز المعلومات
وأضاف الخوري، نظراً لتشعب هذه المتطلبات، ولتكوين صورة دقيقة، فإن أحد أهم برامج الاتحاد أو المفوضية العربية للاقتصاد الرقمي هو تأسيس مركز للبيانات والمعلومات من أجل إصدار نشرة سنوية إحصائية عربية دقيقة عن أهم المؤشرات والقياسات المتخصصة بهذا المجال.

5 محاور
وأوضح الخوري، أن الرؤية الاستراتيجية للاقتصاد العربي الرقمي المتوقع اعتمادها في قمة القادة العرب تونس نهاية الشهر الجاري، تتضمن 5 محاور رئيسة ضرورية لتحقيق التكامل الايكولوجي العربي في ميدان الاقتصاد الرقمي وتشمل: البنية التحتية، والتطوير والابتكار، والخدمات الحكومية الرقمية، والأعمال الرقمية، وخدمات المواطن العربي الرقمية.
وأفاد بأن البنية التحتية تشمل شبكات الاتصالات والمواصفات الفنية للتكامل والتواصل الرقمي، وتتضمن توافر الكفاية التنظيمية والتشريعية لإثراء البيئة التكنولوجية والاقتصاد الرقمي بشكل عام، فيما يعني التطوير والابتكار بتنمية تطوير التطبيقات الرقمية بأنواعها كافة، ولا سيما المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة المميزة disruptive technology ودعم الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة في مجال تكنولوجيا الأموال والاقتصاد الرقمي.

الخدمات الرقمية
أما محور الخدمات الحكومية الرقمية، فيرتبط بتطوير القدرات الحكومية كي تتمكن من تقديم خدماتها الموثوقة من خلال شبكة الإنترنت، ولا سيما من خلال الهواتف المحمولة، فيما تعني الأعمال الرقمية، بالتركيز على مجموعة من قطاعات الأعمال والتي تساهم التكنولوجيا الرقمية فيها بشكل ملموس من أجل تحسين هذه الخدمات بشكل جذري ومؤثر على الاقتصادات العربية الوطنية ولمصلحة الإنسان العربي، وفي مقدمتها الخدمات المالية والمصرفية، والخدمات الصحية، والتجارة الإلكترونية، والزراعة، والتعليم، والصناعة، فيما تشكل خدمات المواطن العربي الرقمية ثمار كافة مراحل المحاور السابقة، والتي تعنى بالضرورة بجودة حياة الإنسان.

عملية التحفيز
ويعتقد الخوري، أن الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، سيكون له دور كبير في تحفيز وتحقيق عملية التحول الرقمي، حيث إنه ومن أجل أن يكون له دور في سائر الدول العربية، فإنه يجب أن يحصل على التفويض العربي ليتعامل مباشرة مع وزارات وهيئات تنظيم الاتصالات ونظم المعلومات العربية والبنوك المركزية ووزارات الاقتصاد، ومن دون هذه التهيئة الأساسية لتنظيم العملية التعاونية العربية – العربية، فإن الاتحاد سيكون عازفاً منفرداً، وهذا ليس ضمن أهدافنا.
ولفت الخوري، إلى أن المقر الرئيس الحالي للاتحاد يوجد بالقاهرة – بصفتها دولة المقر للجامعة العربية - وسيكون هناك لاحقاً مكاتب تمثيل بالدول العربية، موضحاً أن «الاتحاد» أو المفوضية العربية للاقتصادي الرقمي، سيكون منسقاً ومنظماً للتعاون العربي المشترك وسيعزز تنفيذ العديد من المبادرات من خلال الاستفادة من الدعم العربي المتمثل بصندوق دعم الاقتصاد الرقمي والذي تم إقراره في قمة بيروت الاقتصادية الأخيرة بشهر يناير الماضي والمقدر بنحو 200 مليون دولار، كما أنه يوجد مجموعة من المبادرات التي سينفذها الاتحاد بشكل مستقل.

تحديات النمو
وأوضح الخوري، أن التحديات كافة التي تواجه النمو الاقتصادي العربي هي داخلة ضمناً في الاقتصاد الرقمي، حيث إن القيمة الاقتصادية الناتجة من دمج التكنولوجيا الرقمية مع أنشطة الأعمال المختلفة وهي تلك المعنية بخلق القيمة المضافة، أو توفير الموارد والاحتياجات التي يتطلبها الأفراد والمؤسسات والحكومات.
وأضاف «بشكل عام، فإن البنية التحتية العربية تعتبر هذا التحدي الأكبر، نظراً لكونها الأكثر استهلاكاً للوقت عند الإنشاء والأكثر قيمة مادية أيضاً»، مشيراً إلى بذل جهود كبيرة لتوصيل كابلات الاتصالات الضوئية للمناطق السكنية، كما يعتبر التحول الحكومي الذكي أحد التحديات الأساسية، والتي تتطلب العديد من الإجراءات الأساسية منها توحيد آليات إثبات الهوية الرقمية، وترابط قواعد البيانات الحكومية، وتنظيم بروتوكولات استخدام المعلومات الحكومية المشتركة.

%50 حصة التجارة البينية العربية بحلول 2030
توقع الدكتور المهندس علي الخوري، مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، أن تبلغ حصة التجارة البينية العربية بحلول 2030 قرابة تريليون دولار، بما يعادل 50% من إجمالي حجم التجارة العربية الخارجية المتوقعة، خلال هذا العام والمقدرة تريليوني درهم، معرباً عن أمله في أن تحقق الجهود التي ستبذلها الدول العربية في التحول الرقمي خلال العقد المقبل بتمكين المصدرين والمستوردين لتنفيذ 30% فأكثر من عمليات التجارة البينية عبر منصات التجارة الإلكترونية.
وتابع: «يشكل التحول للاقتصاد الرقمي تمهيداً للتعامل مع توقعات نمو التجارة البينية، عبر توفير تلك المنصات والمستجيبة للمتطلبات القانونية العربية للتجارة البينية، ووفقاً لاتفاقية التجارة العربية الحرة والموقعة بالعام 1998»، وأضاف، يتراوح حجم التجارة الإلكترونية العربية حالياً بين 30 إلى 40 مليار دولار، وفقاً للتقديرات المختلفة والصادرة عن بعض المؤسسات العالمية، مثل إحصاءات الاتحاد الأوروبي أو مؤسسة eMarketer، والتي يرجع اختلافها، نظراً لاختلاف المعايير بين كل منها. ويمثل حجم التجارة العربية البينية حالياً نحو 10% من إجمالي التجارة العربية الخارجية، وهي نسبة زهيدة جداً، مقارنة بـ66% نسبة التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبي.

منصة إلكترونية للمنتجين والمستهلكين
قال الدكتور المهندس علي الخوري، مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي: «لدينا العديد من البرامج، وتم نشرها في الدراسة الخاصة بالرؤية الاستراتيجية، ومرتبطة بقطاعات مختلفة مثل التجارة الإلكترونية والتعليم والصحة والزراعة والصناعة، ومن بين أبرز هذه البرامج على مستوى التجارة الإلكترونية على سبيل المثال، هو تأسيس منصة عربية جامعة للمنتجين والمستهلكين، والتي ستكون مصممة لتلائم متطلبات تجار التجزئة، وتجارة الجملة، والتجارة بين المؤسسات، أو بين المؤسسات والأفراد».
وتابع: «نأمل أن تمتد خدمات المنصة لتصل للمؤسسات ذات الفرد الواحد، بقدر ما تسمح به التشريعات العربية»، مشيراً إلى حجم الفرص التي ستتيحها هذه المنصة للمستثمرين والمصنعين والمزارع الكبرى، حيث سيمكنها تصريف البضائع بسهولة، وبالتعاون مع جهات الشحن والتوصيل المختلفة، ونوافذ الدفع الإلكتروني المختلفة، لا سيما الدفع بين الحدود، والتي تخضع لمعايير أخرى مختلفة تماماً عن تلك الخاصة بالدفع داخل الدولة.